المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة واقعية وانتصرت عليها ..


لحن احساس
04-14-2011, 02:53 PM
وها أنا على بعد أميال قليلة..سأقف عند محطة جديدة من محطات حياتي . عالم يعج بالحياة والتطلعات المستقبلية . كل شيء فيه جديد . وجوه جديدة .أماكن جديدة . ومجتمع جديد. إنها الجامعة..طالما تمنيت أن أقف عند عتباتها .. تسير بي المركبة وكأن فرحتي وسعادتي تتسابقان معها .



قالت راية .. الحمد لله على هذا اليوم الذي أفتخر به بأنك ابنتي !



ابتسمت لها وقلت: وإنا أيضا أفتخر بأنك أمي.



التفتت نحوي بعدما دمعت عيناها وقالت : ابنتي ..لا تضيعين تربيتي .



قلت :بل سأرفع رأسك يا أمي.



ردت على جملتي بابتسامة رضا.



سارت المركبة حتى وصلنا عند بوابة الجامعة . في هذه اللحظة . وصلتني رسالة من أبي المسافر في رحلة علاج مع جدتي . كتب فيها (ابنتي .مبارك عليك هذا اليوم.كنت أتمنى أن أكون معك . اهتمي بنفسك).



أرسلت له رداً على رسالته بثلاث كلمات (لن أخذلك يا أبي).



وسارت الأيام..وكنت أبحث عن صحبة صالحة . تعينني في دراستي ووحدتي . التي صرت أشعر بها . وتاقت نفسي لصداقات أحيا بقربها وأنسها .في هذا الجو الجامعي . حتى اقتربت من ثلاث صديقات جمعتني بهن مقررات دراسية. وجدت فيهن ما كنت أبحث عنه (الخلق . والصدق . والاهتمام ) .



أصبحن جزاء كبيرا في حياتي الدراسية . وحتى الاجتماعية . نلتقي في الجامعة ونتحدث هاتفيا والكترونيا خارج الجامعة .



وذات يوم دعتنا إحداهن إلى منزلها . بعد إلحاح وحديث طويل طال يومين . قبلت أمي أن ؟ألبي دعوتها.



طبع في ذاكرتي ذلك اليوم . لأنني كنت متشوقة لعلاقة أكبر من حدود الجامعة .



قضينا الساعة الأولى في الحديث عن أمور الجامعة والاختبارات والبحوث المكلفين بها .



بعدها قالت إحداهن : يا حلوين صار الآن وقت الحلوى .



قلت :والذي أكلناه منذ قليل أليس حلوى؟!.



علت ضحكات الصديقات بعد جملتي هذه.كما علا وجهي الاستغراب والدهشة .



قالت بعد مادمت يدها نحوي :تفضلي هذه الحلوى .



شهقت . واتسعت عيناي . وتجمد الدم في عروقي. كما تصبب العرق من جبهتي . وأحسست بضربات قلبي تكاد تنهك عظامي .



قلت بتلعثم ما... ماهذا بيديك؟



ضحكت بصوت عال كادت تخرم أذني !! وقالت : هذا لا تعرفينه .. هل تريدين أن تستعيني بصديق؟!



دار رأسي .وأحسست باختناق جثم على صدري .



أمسكت بي الأخرى وقدمتها لي وقالت : جربي واحدة .. لتعرفي مدى قوة صحة رئتيك !!



قلت : كيف لي أن أعرف ذلك؟



هزت رأسها بالإيجاب وقالت : نعم .. إن أخذتي نفساً عميقاً منها . ومن ثم سعلتي بعدها .فهذا دليل على أ، صحتك جيدة.



دفعت بيدها رافضة ذلك ؟ ولكنهن طوقنني بوجهن وألسنتهن وهن يرددن :جربي واحدة ..واحدة فقط.. الأمر يحتاج جرأة !



قلت لهن : ألا تخافون ...



قاطعتني إحداهن . وقالت غاضبة : أرجوك . لانريد محاضرات دينية . ولا محاضرات صحية . بعد أن وصلنا إلى هذا العمر . نحن أدرى بأمور حياتنا . وليكن في حسبانك أن عربون صداقتنا هو أن تكوني مثلنا .. بكل شيء . وكما تعلمين أنا معك في البحث الذي سنقدمه بعد أسبوعين ..ولن أجلس معك لساعات طويلة دون أن أدخن .. أتفهمين ؟!



أشعلتها وقدمتها لي.. وأنا أنظر إلى السيجارة بقلب مهزوم . رعشت يدي عندما أمسكت بها . وما زال يرن في سمعي .. جربي واحدة .. واحدة فقط! وبداخلي خوف وضعف . لا أعرف كيف أمسكها بين إصبعي !!



رفعتها إلى فمي . وتدور أمام مخيلتي صور شتى . وجه أبي . وأمي . وأخي ..



ارتديت – ولأول مرة بحياتي – ثوب الخوف والضعف . أخذت نفسا عميقاً من السيجارة .وكأني أريد أن أتخلص من الأمر الذي طوق عنقي . أحسست بحرقة داخل حنجرتي . وأخذت أسعل بقوة مرات على التوالي . أدركت حينها أن جسدي يعلن عن احتجاجه ورفضه لهذه السموم التي سلطتها عليه . صرت مشغولة بالأمر الذي جنته يداي منذ قليل . وأرى بعيني وجوه صديقاتي الضاحكة أمامي .



وإحداهن صورتني بواسطة (البلوتوث blutooth) وهي تقول. بلهجة ماكرة : دائماً اللحظات الأولى تسجل حتى لا تنسى .



تصورت نفسي وكأني مهرج أمامهن .. دمعت عيناي ..لأنني بهذه الخطوة المهزومة . مزقت دستور ديني وتربيتي . بل مزقت الأعراف الإنسانية !!



أريد أن أهرب من المكان .. وأمحو من ذاكرتي ساعة هذا الزمان .



رجعت إلى البيت وما حدث يشغل عقلي . ويسيطر على كياني .. فكرت بالتخلص من هؤلاء الصديقات ..ولكن تذكرت الدليل الذي بين أيديهن .. والبحوث .. والمشاريع . والتقارير الدراسية . التي تجمعني معهن .. وصرت بعد هذا اليوم طوع إرادتهن . ورهن أوامرهن .



أختي القارئة ...ولادة السيجارة الأولى أصبحت علباً من السجائر . أشتريها وأدسها داخل خزانة ملابسي ..



ولم تقف السيجارة الأولى عند هذا الحد . إنما من خلالها طريق الكذب مع أمي . حيث أطلب منها مالا بحجة أن أشتري بطاقة تعبئة رصيد لهاتفي الجوال .ولكن في الحقيقة لأشتري علب سجائر .



ولم تقف السيجارة الأولى عند هذه الحد . بل أصبت بسببها بفقدان الشهية للطعام . ونقص من وزني الكثير ..



ولم تقف السيجارة الأولى عند هذه الحدود . بل أصبت بالسعال المزمن . الذي لا يفارقني ليلاً ونهاراً . وبصداع لا يبارح راسي . وأخيرا من السيجارة الأولى صرت أكره الجلوس مع أسرتي .لأنني أفصل الوحدة. كي أمارس التدخين بعيداً عن عيونهم .



وفي ظهيرة أحد الأيام ..لا أتذكر كم عدد السجائر التي دخنتها .. قبل أن تغفو عيناي لقيلولة الظهيرة ..



ولم أستيقظ إلا على صراخ أمي وأخي . ذي الثلاث عشرة سنة .ركضت نحوهم .. لأعرف سبب الشجار .. وإذ بي أرى أمي . وقد ارتسمت على وجهها علامات الغضب والضيق . وهي تصرخ على أخي . وتضربه بقوة !! وهو يصرخ ألماً ويحاول الدفاع عن نفسه .



وهو يقول : والله يا أمي لم أدخن في حياتي . ولا أعرف طريقها .. وترد عليه بغضب : وما الذي أشمه منذ أيام . ما هو إلا دخان السجائر . ألا تعلم بأن التكيف المركزي فضح أمرك؟!



رد عليها . وهو يبكي والدموع تسيل على خديه : أمي .. فتشي غرفتي . جيبي .. والله لم أفعل ذلك طول حياتي .



ألقت بجسدها على الأريكة . ووضعت يدها على وجهها . وهي تبكي بحرقة . وتقول : طوال حياتي أدعوا الله سبحانه أن أفتخر بك . كما افتخرت بأختك . والآن خذلتني يا طارق !!.



بهذا المشهد عرفت بأنني أنا المذنبة . أنا الجانية . وليس أخي ..أرى أمي تبكي . والجاني الحقيقي قد لبس رداء الصدق والأخلاق ق والبراءة !!



حدثتني نفسي .. ماذا لو كره أخي أمي .. إثر هذا الاتهام الباطل بسببي ؟!.



ماذا لو هرب أخي من البيت . إثر اتهامه من قبل أمي ؟!.



ماذا لو علم أبي ما حدث . وتضايق وهو بعيد عنا ؟!.



رجعت أدراجي إلى غرفتي . لذت بالصمت . وتذكرت اللحظة الأولى .. بدايتي مع السيجارة .. كانت لحظة ضعف وانكسار .. وما أحتاجه الآن . قبل أن أدمر أواصر أسرتي . ودراستي . وحياتي ومالي . وصحتي .. نعم ما أحتاجه لحظة لا تتعدى دقائق .. لحظات انتصار على النفس . تتكلل بالشجاعة والقوة والبصيرة .. فتحت خزانتي .. وألقيت السجائر كلها – بغضب – في كيس القمامة .



ولساني يلهج بالدعاء ( ربي انصرني عليها . ربي انصرني عليها ) . ودموعي الحارة تغسل خطيئتي وذنبي ..



أخذت الهاتف واتصلت على إحدى الصديقات وقلت لها: من هذه للحظة . لن أرتدي ثوب الخوف معكن . لن تعرفوني من الآن . وأما بخصوص التصوير .. فلم أعد أهابه من الآن .. أتعرفين لماذا؟



قالت مندهشة : لماذا ؟ّ



قلت : لأنني في هذه اللحظة . صدقت مع الله سبحانه وتعالى . وصدقت مع نفسي .. وداعاً .



خرجت إلى الصالة . وما زالت أمي تبكي . وقفت أمامها وقلت : أمي .. ليس أخي الجاني بل أنا ..



سامحيني يا أمي .



رفعت رأسها . وهي تبتسم وقالت : هكذا يا راية . من حبك لأخيك . تلقين – دوماً- خطأه عليك.



على كل حال .. سامحته لأجلك .



أختي القارئة .. لم تصدق أمي بأنني أنا المذنبة . ولكن المهم أن لا يتهم أخي بذلك .



لقد أحتاج الأمر بضعة أيام لأتغلب على السيجارة .. والحمد لله الذي أعانني على تعدي هذه المرحلة . وأعاد لي سعادتي وصحتي لقد كانت لحظات قليلة . تلك التي اتخذت خلالها قراري . أسميتها لحظات الانتصار !!



وما أحوجنا إلى لحظات انتصار .



أختي القارئة .. لقد مر على هذه القصة التي عشتها بحلوها ومرها . مايزيد على ثلاث سنوات ..



وكما نظرت إلى السيجارة بيد إحداهن . أو أحدهم . يردد لساني :



( الحمد لله .. لقد انتصرت عليها .. ومتى تعيش أنت لحظات الانتصار مثلي )؟!

لحن احساس
04-14-2011, 02:54 PM
هذي قصة من كتابة الكاتبة الكويتية
سهام خالد العامر
أعجبتني هذه القصة فنقلتها لكم لأنير بها القلوب التي تحتاج قليلا من الشجاعة ومن القوة لكي يتغلب على أمر لديه من الأشياء السلبية
أتمنى إن تنال إعجابكم