لولا الابتِلَاءُ ما كانَ له ذِكْرٌ ولا عُرِفَ له قَدْرٌ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 154]، تأمل قوله تَعَالَى بعدَ أحداثِ غزوة أُحُدٍ: ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ... ﴾!
ما يجري عَلَيْكَ من أقدارِ اللهِ تعالى ابتلاءٌ لا شكَّ فيه؛ لِيَمِيزَ اللَّهُ الخبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَيُظْهِرَ أمْرَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ لِلنَّاسِ.
فقد تجري عليك أحداثٌ من الابتلاءِ تظنُّ أنها قاصمة الظهرِ، وتضيق عليك السبلُ حتى لا تجد فيها مسلكًا، وتغلق في وجهك الأبواب حتى تظنَّ أنه لا مخرجَ لك منها، ثم يجعلها الله تعالى لك رفعةَ قدرٍ، وعلوَ منزلةٍ.
لما حَدَثَ لجُرَيْجٍ ما حَدَثَ من الابتلاءِ، حتى اسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ بِفُؤُوسِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ، حتى كان قاب قوسين أو أدنى من الهلاك، ثم تداركته رحمة الله بإخلاصه، وإيمانه، وصدقه مع الله، فلما رمي بالزنا، مَسَحَ رَأْسَ الصَّبِيِّ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: أَبِي رَاعِي الضَّأْنِ، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ قَالُوا: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا.
فرفعَ اللهُ قَدْرَهُ وأَعْلَى ذِكْرَهُ، وضَرَبَهُ مثلًا لِمَنْ شملتهم عنايةُ اللهِ تعالى.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|